غداة نهاية الحرب الباردة كان المطلوب من قادة أمريكا تحتمل مهمة ليست سهلة دائما ، إجتراح طريق وسط بيئة غير مستكشفة بالمرة أملا في الوصول إلى وجهة لم تكن واضحة تماما منذ البداية ، و إلى حد ما أكثر تعقيدا من بيئة الحرب الباردة ، أقل قابلية للتقدير و أقل قابلية للتحكم . لا تظهر هذه المهمة الجديدة - حينها - بشكل أكثر وضوحا من ظهورها في أوروبا ، ففي قلب رؤيتهم الشاملة تظهر إرادة الأمريكيين في التعامل مع ضمان أمن القارة الأوربية كهدف استراتيجي غير قابل للتحول . إن خيار الولايات المتحدة - في عهد إدارة الرئيس كلينتون تحديدا - القاضي بإبقاء التزامها و الحفاظ على وجودها في النظام الجيوستراتيجي الذي يمثله نظام أمن أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة ، لا يمكن تفسيره إلا بالاستناد إلى تحليل يبرز اعتبارات إستراتيجية تخضع لصيرورة تاريخية لا تتعلق في المطلق بالحرب الباردة ، و بالتالي فهي تتجاوز تداعيات نهايتها و تتكيف مع مستجدات عالم لم يعد يشبه كثيرا عالمها . لقد عملت السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المرحلة على إعادة تأسيس الرابطة عبر الطلسية من خلال إعادة بناء علاقة جيوسياسية متجددة مبنية على مبدأ الثيادة الذي يقتضي ان تمتلك القوة المتفوقة مشروعية جمع الآخرين في منظومة جماعية ، و حق المبادرة و السير بهم نحو غايات مشتركة ، مع السماح لهم و دفعهم إلى بعب أدوار شراكة - يتحملون أعبائها - ثقف عند خط رفض كل حركية قد تؤدي إلى تهديد وضع التفوق و مكانة الريادة . هذا الكتاب دراسة تبحث في اهم حلقات الهندسة الأمنية الجديدة التي أرادت واشنطن - بعد نهاية الحرب الباردة - أن تبني من خلالها نظاما عبر قاري يمتد من فانكوفر إلى فلاديفوستوك و يشمل كامل القارة الأوروبية .