في زمن غابت فيه الذاكرة ، و ظن الطغاة أنهم قد اغتالوا ملامح الإنسانية داخل الإنسان العربي ، ثمة من كان يرصد الألم و يصر أن يحتفظ بملامح الإنسان فيه ، رغم تعهر آلة القمع العربية ، ظل يحفر في لحمه ليكبر وسط خرائب القهر و الوجع ، و ذات حقيقة كان له أن يشهر ذاكرته لغة قادرة على الوصول و الفضح ، فكانت روايته مريم ، ذاكرة وطن ، عمل إبداعي مميٌز ، و تراجيديا تؤرخ لمرحلة زمنية من تاريخ هذه الأمٌة الأسود ، بكلٌ صدق و موضوعية ، و تفضح بلا تزاويق سياسات القهر و القمع التي تسلٌط على المواطن العربي ، أساليب من التعذيب رسموا بها فوق جسد المواطن " بطولات و أمجادا فقدوها في ساحة المعارك بين الرجال و أفرغوا ثورات نقمتهم فوق جلد الياسمين " . " في سجون التعذيب ، يغتصب الرجل كما المرأة لا فرق " . هي رواية المسكوت عنه ، في وطن حاول أن يوهمنا أن نستر لحمنا المغتصب بالصمت ، فكانت مريم ، ذاكرة الأمهات العربيات اللواتي علقن أبنائهن على مشاجب القهر ، ووقفن كسنديانية عتيقة يحرسن الانتظار . و ظللن يزرعن أبناءهن في الحدائق الخلفية للوطن ، لكي لا تنمحي ذاكرة الحلم و تغيب الرؤيا .