المدخل الجامع في أصول النحٌو ، مثلما هو كلك في نظرية ، و المراد منه أن يكون جامعا بينهما مثلما هو جامع لكل منهما دونها شطط في القول . كما أنا المقصد الأسمى و الغاية القصوى منه أن يكون جامعا غير مانع و مدخلا سهلا يسيرا على المتعلم الطالب فضلا عن كونه كذلك على المتعلم العالم . إنه بهذا و ذاك وسيلة المبتدئ ، و غاية المنتهي ، و لي في فصوله و مباحته في الأولين السابقين أسوة من حيث مناهج البحث و التأليف و التصنيف . إنما أحب أن أنتظم في سلك الجليل بن احمد الفراهيدي فأتمثل بقوله - كما رواه ابن يعيش في شرحه على مفصل الزمخشري - و اللفظ له : من الأبواب مالو شئنا أن نشرحه حتى يستوي فيه القوي و الضعيف لفعلنا ، و لكن يجب أن يكون للعالم لم مزية بعدنا . مادة كتابنا من ديوان التراث المتجدد ، و من ديوان الحداثة المتعادمة ، لما بين القديم و الجديد من مناسية ( تناسب ) . و الرأي - عندي - أن في التراث الحداثة ، و ان في الحداثة لقدامة ، و إذن ليس بدعا تعليق الماضي بالحاضر و العكس كذلك ، و تعليق مناهج العلوم ( و مسائلها ) بعفها بسبب من بعض ، و تعليق النظرية بأصولها ، و ربط الأصول بنظريتها ( أو بنظراتها ) النحوية العربية في سياقاتها من حيث الوصف و التحليل . إن نظرية العلم ناشئة بعد تمام العلم ، كما أن أصوله التي يصدر عنها حادثة بعد اكتماله ، و لا يتصور عقلا و نقلا بناء علم من العلوم النظرية و العلمية العملية من غير نظرات عقلية كامنة ، و من غير تصورات ذهنية ضمنية .

هذا الكتاب للباحثة هبة خياري ، و قد اختارت له من العناوين العنوان الآتي " خصائص الخطاب اللساني في أعمال ميشال زكريا " و هو كما يبدو من الموضوعات الجديرة بالبحث لكونه : - يتعلق بميدان ثري خصب و هو المعرفة اللسانية بصفة عامة و الخطاب اللساني بصفة خاصة إذ إن البحث في اللسانيات باعتبارها خطابا له خصوصياته الشكلية و المعرفية يعد نادرا جدا إذا ما قورن بالدراسات التي تناولت الخطاب الأدبي و الشعري و النثري على مستوى البحث في الوطن العربي بصفة عامة " و كم هي قليلة - كما قالت الباحثة - الدراسات التي تعنى بتحليل الخطاب العلمي باختلاف تخصصاته ، و كم هي شحيحة تلك التي اهتمت بالخطاب اللساني العربي و خاضت غماره " . - و لكونه يتعلق بأحد أعلام اللسانيات في الوطن العربي و هو الباحث اللساني ميشال زكريا ، فقد خصته الباحثة بقراءة نوعية في معظم أعماله ، بغية استظهار أهم خصائص الخطاب اللساني عنده . و إن المسعى الحقيقي الذي ترومه الباحثة هو محاولة تقديم نموذج أولي لتحليل الخطاب اللساني العربي ، متخذة من ميشال زكريا عينة للبحث فحاولت تصنيف أعماله وفق اتجاهات الكتابة اللسانية العربية و اكتشاف استراتيجيات تقديمها بالنظر إلى مقاماتها اللازمة . لقد وفقت الباحثة - برأيي - في اختيارها و كانت على وعي منهجي و معرفي واضح بالموضوع ، مفرقة بين النقد و الانتقاد و بين البناء و الهدم غايتها المرجوة الإسهام في تقديم دراسات نوعية تخدم اللغة العربية و تنهض بها و تعمل على تطويرها لخدمة أغراض القارئ العربي و تلبية حاجاته . و سيجد القارئ لهذا الكتاب ، إن شاء الله ، زحما معرفيا و صرامة منهجية و صبرا و مكابدة و استشراقا ، و فوق كل ذلك سيجد أخلاقا علمية ، و هي الصفات التي ميزت هذه الباحثة الواعدة في اللسانيات ، التي نتمنى لها التوفيق في كل أعمالها .

يعالج هذا الكتاب المرسوم بــ : لغة الخطاب الإداري - دراسة لسانية تداولية - موضوعا بالغ الأهيمة ، له علاقة وطيدة بممارسة الحياة الاجتماعية و مؤسساتها المختلفة و ما تحتاجه من لغة إدارية وظيفية تتعلق بقضاء الناس حاجاتهم المتنوعة و تدرس المؤلفة هذا الموضوع من ناحيتين : الناحية الأولى لسانية بما تعنيه من بنيات صوتية ، و صرفية ، ومعجمية ، و نحوية مترابطة منسجمة داخل نظامها اللساني الخاص . و الناحية الثانية تداولية تدرس حياة اللغة العربية في الاستعمال ، و إجراءات الخطاب و ما يقتضيه من لغة بالنظر إلى المقالات المختلفة ، و إن لغة الخطاب الإداري الوظيفي لغة تقول و تفعل ، تأمر و تنهي ، تنبه و تحذر حسب مقتضيات توظيفها في سياقاتها المختلفة ، و عن ناحية أخرى ، فهي لغة حجاجية تبرهن و تستدل لبلاغة الحجة و قوةة الدليل ، حسب ما يقتضيه منطقه الخاص ، الذي هو منطق لغوي عام ، و لكنه يحمل الخصوصيات المميزة له ، المحققة لهويته اللسانية و الثقافية داخل منظومة الخطابات المختلفة . و قد كانت لي فرصة اقتراح هذا الموضوع على مؤلفة الكتاب ، و فرصة تتبعه منذ أن كان فكرة إلى أن أصبح كتابا ، و أشهد أن صاحبته قد بذلت جهدا واضحا فيه كما يظهر ذلك في فصوله الأربعة . إن من يقرأ هذا الكتاب سيستفيد كثيرا من جوانب عديدة لغوية و غير لغوية ، لأن هذا النوع من الدراسات باللغة العربية يعد غير مأنوس ، بل يعد جديدا في أقسام اللغة العربية و آدابها ، و ذلك فإن من يقرأه سيشعر بشهوة القراءة ، و متعة التلقي ، و الشوق إلى التواصل الفعال . فلتكن إذا ، دعوة إلى القراءة النافذة لهذا العمل الجيد ، الذي نتمنى لصاحبته التوفيق و المواصلة في الميادين التي لها علاقة بالحياة .

تتحدد خصوصية البحث في مصطلح " التسريد " الذي يعتبر محوريا ، حيث لا تتعلق هذه الدراسة بالكشف عن خصائص النظامين اللفظي و البصري على العموم ، و إنما تنحصر في الكشف عن تفاعلهما لإنتاج الفعل السردي حسب عناصر و آليات بنيته ، لذلك السؤال الذي يطرح هنا : ما هي الإجراءات التي يجري تشغيلها داخل البنيتين ، من اجل تشكيل هذا الفعل الكوني الذي يتجسد في احاديثنا اليومية كما يتجسد في أشكال الفنون المختلفة ؟ إن البحث عن التسريد يعني بالضرورة الانتقال إلى وعي الإنسان بهذا الفعل في تشكيل تواصله مع العالم ، و محاولة اكتشاف كيفية صياغته عبر اختلاف الوسائل التي ينتقيها للتعبير عنه ن إن شئنا يمكننا البدء من جوهر يظهر فيه كل إنسان و هو يملك محكيه الخاص الذي يريد نقل تجربته إلى الآخر ، أو من وجهة نظر أخرى نستطيع القول إن العالم يكون ظاهرا أمام الإنسان في صورته المادية و الواقعية ، و لا يتمكن من نقله إلى عالمه الخاص إلا إذا أعاد بناءه انطلاقا من هذا الفعل السردي و تشكيل رؤيته الخاصة التي تمنح هذا العالم خصوصية مميزة لا تتواجد في العالم الواقعي .

غداة نهاية الحرب الباردة كان المطلوب من قادة أمريكا تحتمل مهمة ليست سهلة دائما ، إجتراح طريق وسط بيئة غير مستكشفة بالمرة أملا في الوصول إلى وجهة لم تكن واضحة تماما منذ البداية ، و إلى حد ما أكثر تعقيدا من بيئة الحرب الباردة ، أقل قابلية للتقدير و أقل قابلية للتحكم . لا تظهر هذه المهمة الجديدة - حينها - بشكل أكثر وضوحا من ظهورها في أوروبا ، ففي قلب رؤيتهم الشاملة تظهر إرادة الأمريكيين في التعامل مع ضمان أمن القارة الأوربية كهدف استراتيجي غير قابل للتحول . إن خيار الولايات المتحدة - في عهد إدارة الرئيس كلينتون تحديدا - القاضي بإبقاء التزامها و الحفاظ على وجودها في النظام الجيوستراتيجي الذي يمثله نظام أمن أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة ، لا يمكن تفسيره إلا بالاستناد إلى تحليل يبرز اعتبارات إستراتيجية تخضع لصيرورة تاريخية لا تتعلق في المطلق بالحرب الباردة ، و بالتالي فهي تتجاوز تداعيات نهايتها و تتكيف مع مستجدات عالم لم يعد يشبه كثيرا عالمها . لقد عملت السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المرحلة على إعادة تأسيس الرابطة عبر الطلسية من خلال إعادة بناء علاقة جيوسياسية متجددة مبنية على مبدأ الثيادة الذي يقتضي ان تمتلك القوة المتفوقة مشروعية جمع الآخرين في منظومة جماعية ، و حق المبادرة و السير بهم نحو غايات مشتركة ، مع السماح لهم و دفعهم إلى بعب أدوار شراكة - يتحملون أعبائها - ثقف عند خط رفض كل حركية قد تؤدي إلى تهديد وضع التفوق و مكانة الريادة . هذا الكتاب دراسة تبحث في اهم حلقات الهندسة الأمنية الجديدة التي أرادت واشنطن - بعد نهاية الحرب الباردة - أن تبني من خلالها نظاما عبر قاري يمتد من فانكوفر إلى فلاديفوستوك و يشمل كامل القارة الأوروبية .